الآثار النفسية والاجتماعية لتعاطي المخدرات على سلوك الشباب والمراهقين .
د. أيمن غريب قطب .
تعد مشكلة تعاطي المخدرات من أخطر المشكلات النفسية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات المختلفة ومنها مجتمعاتنا العربية والإسلامية .
وتشيع هذه المشكلة في مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية والأسر ذات المستويات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة . كما تمتد عبر المراحل العمرية المتعددة ولكن تبدو أكثر خطورة وشيوعيا لدى قطاعات الشباب والمراهقين وهم بطبيعة الحال طلاب المدارس والجامعات . وهذا العمر هو الذي يصل فيه الفرد إلى قمة قدراته على العطاء والبذل والإنتاج . ويزيد من خطورة هذه المشكلة أنها أكثر شيوعا لدى الذكور منها لدى الإناث حيث هم يتحملون العبء الأكبر في العمل والإنتاج .
وقد تزايد في الفترات الأخيرة الإقبال على تعاطي العديد من المواد النفسية التي هي أشد خطورة مقارنة بالمواد التي كانت منتشرة فيما قبل . حيث شهدت الثمانينات من القرن الماضي عودة الهيروين والكوكايين إلى الظهور بين الشباب مما أحدث حالة من الذعر لدى المسئولين والتربويين .
وتقترن مشكلة التعاطي لدى الشباب والمراهقين بوقوع العديد من المشكلات والأمراض الاجتماعية .منها على سبيل المثال تدهور مستوى الصحة النفسية والجسمية وصور التوافق النفسي والاجتماعي وازدياد مستويات أو معدلات السلوك الإجرامي والعدواني على المستويين الشخصي والاجتماعي . مما يشكل تهديدا خطيرا للسلامة الشخصية والأمن الاجتماعي . حيث لوحظ أن أغلب حوادث العنف والسرقة والخطف والتحرش الجنسي والاغتصاب والقتل يرتكبها المراهقون والشباب من متعاطي المواد المخدرة .إما نتيجة للاضطراب العقلي الذي يحدث نتيجة لآثار التعاطي السلبية . أو للرغبة في الحصول على الأموال اللازمة للتعاطي والحصول على النشوة والانتشاء الناتج عن تعاطيها . ومن ثم الإدمان والتعود والازدياد المضطرد في معدلاتها .
ولقد تبين أن ازدياد هذه المشكلة وتنامي معدلاتها خاصة لدى الشباب والمراهقين يكلف المجتمع اعتمادات مالية وخسائر فادحة تنفق على عمليات الوقاية وإعداد الخطط والحملات التي تهدف إلى مكافحة مهربي المخدرات وموزعيها .أو علاج الآثار المترتبة على ذلك ومنها علاج المدمنين ورعايتهم وإعادة تأهيلهم . هذا بالإضافة إلى الحاجة المستمرة إلى توجيه العديد من الموارد لبرامج التنمية الأسرية والشباب وتحسين الأحوال المعيشية لهاته الفئة من الشباب وأسرهم .
لقد أصبح من الأفضل استعمال مصطلح ( المواد النفسية ) على مصطلح تعاطي المخدرات لأن كلمة المخدرات في صيغتها العربية تشير إلى ما يؤثر تأثيرا مهبطا في الجهاز العصبي المركزي في حين أن مصطلح المواد النفسية يشمل كل المواد المهبطة والمواد المنشطة على السواء .
وتصنف المواد النفسية في إشارة سريعة إلى قسمين: على أساس مصادرها وعلى أساس النوع أو التأثير الذي تحدثه . فمن حيث مصادرها فتشمل ثلاثة مصادر رئيسة وهي :
1 – المواد الطبيعية أو أنسجة الحيوانات أو المواد الخام كما هي على طبيعتها ومن أمثلتها الحشيش والأفيون والتي يطلق عليها المخدرات الطبيعية .
2 – المواد المستمدة من معالجات كيميائية للمواد الطبيعية مثل الهيروين والمورفين .
3 – مواد مخلقة كيمائيا أي تنتج وتصنع بطريقة كيميائية بحتة .
أما من حيث نوع التأثير فتشمل أربعة فئات :
1 – مهبطات الجهاز العصبي وتشمل المهدئات والمنومات والكحوليات .
2 – المنشطات والمنبهات مثل النيكوتين ومادة الكولا والحبوب المنشطة .
3 – المهلوسات وهي مواد تؤدي إلى التشويش الحسي والبصري وتغيير المزاج والتفكير والإدراك الزماني والمكاني ومنها الحشيش (القنب الهندي ) ودواء المسكالين .
4 – المسكنات وهي مواد تقلل من الإحساس بالألم لذا تستخدم في التخدير والجراحة . ومن أمثلتها الأفيون ومشتقاته كالهيروين والمورفين . وهي مواد تحدث اعتمادا نفسيا وجسميا شديدا عليها إذا ما تكرر تعاطيها .
أما فيما يخص الآثار النفسية والاجتماعية التي تنجر على عملية التعاطي فيمكن تلخيصها في الآتي :
- الشعور بدافع قهري لتناولها من أجل الحصول على آثار اللذة والمتعة والنشوة الناتجة عن ذلك .
- المعاناة النفسية والجسمية إذا لم يتعاط الشخص المواد النفسية .
- ازدياد الحاجة إلى تناول المزيد من الجرعات للحصول على نفس الآثار النفسية . وهو ما يطلق عليه ظاهرة ( التحميل ) .
- لجوء الفرد إلى المخدرات عندما تواجهه مشكلات معقدة نفسية أو اجتماعية أو حياتية بصورة عامة بدلا من التفكير الواقعي والمنطقي في معالجة هذه المشكلات والتعامل معها .
وتشير العديد من المؤشرات العالمية والمحلية إلى أن بدء التعاطي يقع غالبا في سن المراهقة ( خاصة المبكرة ) . وهي الفترة التي يقضيها الشباب في المدارس والجامعات .
وتنحصر الأسباب المؤدية إلى تعاطي المخدرات لدى الشباب والمراهقين في العوامل النفسية والاجتماعية التالية :
- أولا : التعرض للمخدر أو ما يسمى بثقافة المخدرات وذلك من خلال السماع أو الرؤية للمخدر أو وجود رفقة السوء أو أهل يتعاطون المخدرات أو وسائل الإعلام المختلفة التي تعرض ذلك خاصة بصفة قد تثير حب الاستطلاع أو بصورة جذابة أو مغرية أو رغبة في الشهرة أو لجذب الاهتمام أو مجرد سوء الفهم أو الغرض . وهذا كله يؤدي إلى تأثيرات سلبية في انجذاب المراهقين والشباب لتجربتها ومن ثمة تعاطيها وصولا إلى إدمانها .
- ثانيا : الظروف الاجتماعية المهيأة للتعاطي . وهي الأفكار والقيم والسلوكيات أو التصرفات الشائعة في المجتمع المحيط أو المؤثر حيال تعاطي المخدرات . وهي تختلف من مجتمع لآخر . ومنها عوامل التنشئة الاجتماعية والأسرية أو التأثير الحضاري والاجتماعي والثقافي . وهذه العوامل تؤثر على إقبال الشخص على التعاطي أو نفوره منه . ومن أمثلة ذلك شيوع أفكار على أن المخدرات ترفع معدل الذكاء أو تنشط الذهن والأفكار . أو أنها تزيد أو تفعل الكفاءة أو القدرات الجنسية لدى الذكور أو أنها من علامات الرجولة والقبول الاجتماعي . أو أنها ترتبط بالانحطاط الاجتماعي والتصرفات السيئة . أو التدهور الديني والأخلاقي . وهكذا ...
ومنها البيئة السكنية التي قد ينتشر فيها التعاطي الترويحي مثل الأفراح والمناسبات أوفي الصفقات التجارية والاكتساب غير المشروع . ومنها الظروف الاجتماعية والمناسبات المرتبطة بعملية التعاطي مع الأصدقاء أو في مواجهة المشكلات النفسية أو الاجتماعية. أو التخلص من متاعب جسمية أو الإرهاق أو زيادة الجهد والعمل . ومنها أيضا الظروف الأسرية مثل التصدع أو التفكك الأسري أو الاضطراب العائلي والأساليب التربوية والمعاملات الخاطئة للأبناء كالشدة والعقاب الصارم أو التدليل المفرط أو الزائد . هذا بالإضافة إلى حالات الطلاق والانفصال الأسري والاجتماعي والنفسي أو الإهمال والتعدد السلبي للزوجات . ومنها أيضا الانحلال الخلقي داخل الأسرة وضعف القيم الأخلاقية والدينية التي تؤثر سلبا في العلاقات الأسرية خاصة بين الأب والأم أو بين الأبناء أو الأم . وكذلك إقامة الأبناء بعيدا عن الأسرة أو وفاة أحد الوالدين .
- ثالثا : هناك عوامل شخصية مرتبطة بعمليات تعاطي المخدرات . فقد أثبتت العديد من الدراسات ارتباط التدخين والقلق والتوتر الانفعالي الزائد لدى الأشخاص بالإقبال على التعاطي . وكذلك اختلال التوافق وانعدام الرضا النفسي وضعف القدرة على التحكم في الذات والاستعداد الأكبر للجريمة .
وقد تبين أن الإقبال على الكحوليات يرتبط أكثر بالأشخاص الخجولين والذين لديهم مشاعر النقص أو الدونية أو الإحساس باليأس والاكتئاب .
كما قد يرتبط التعاطي أيضا بصفات الفشل الدراسي والاجتماعي وما يصاحبهما من مشاعر الإحباط والاستياء من جانب الأسرة مما يؤدي إلى نفور الطالب من الموقف التعليمي والتربوي ويدفعه إلى تجربة نشاطات بديلة تمتص مشاعر التوتر النفسي وتساعده على الهروب من الواقع شعوريا ولا شعوريا ومن ثمة الاتجاه نحو الانحراف بأشكاله المتنوعة .
إن صور التدعيم التي تقدمها المواد النفسية والاعتياد عليها والآثار السلبية الضارة فيها هي التي تسبب الإحساس بخفض التوتر النفسي والألم الجسمي أو خفض مستوى القلق بشكل عام . كما قد تؤدي إلى تدني مستوى الدافعية وفقدان الحماس أو تثبط من عزيمة الفرد وهو ما يشعره بالحماية من الضغوطات الاجتماعية والأسرية التي يثيرها ارتفاع مستوى الدافعية التي تحفز الفرد عند إشباعها فيلجأ إلى الهروب منها .
إن كل ذلك ليشير إلى أهمية وخطورة هذه المشكلة لدى الشباب والمراهقين .وبالتالي ضرورة الاهتمام بهذه الفئات بحيث تكون الأولوية لهم في عمليات التخطيط والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتوجيه والإرشاد النفسي والاجتماعي والإرشاد الأسري والتربوي على وجه الخصوص .
وينبغي العمل على مساعدة هؤلاء الشباب على تحقيق آمالهم وتقريبها من الواقع وتضييق الفجوة بين ما يسعون ويهدفون إليه والواقع الاجتماعي الملموس . وكذلك تحقيق النمو النفسي والاجتماعي والدراسي بصورة جيدة .
والتوعية بالأساليب التربوية والوقائية للتعامل مع هذه الآثار وكل ما يترتب على تعاطي المخدرات والوقاية منها وهو الحل المثل أو العلاج إذا وقع المحظور .
وكذلك توعية الشباب والمراهقين بخطورة الوقوع في ذلك وآثاره السلبية عليهم .
وفي النهاية لابد من العلاج المتكامل وإعادة التأهيل للفئات المعنية . وإقامة نظام معلوماتي يضمن الإمداد الجيد بكافة المعلومات ويرصد التطورات في المحيط الاجتماعي ومتابعة ذلك من قبل كافة الهيئات والمؤسسات الاجتماعية المختلفة بصورة متكاملة .