السيد نجم هفت قلوب المسلمين، وتحركت أبصارهم إلى بيت المقدس، منذ بداية الإسلام مع حياة الرسول إلى الآن. فكان القدس قبلة المسلمين الأولى، وكان المسجد الأقصى ثاني مسجدين وضعهما الله لعبادته. وبقي تاريخ القدس مع المسلمين.. تاريخ كفاح وجهاد منذ أوائل الدعوة الإسلامية حتى الآن. فلم تكن غزوة "مؤتة" و"تبوك" أولى المعارك خارج الجزيرة ضد الرومان بل من أجل القدس. فلما تم فتح القدس، كان السكان يتكلمون العربية لأنهم من أصول الكنعانيين العرب الذين رحلوا من شمال الجزيرة ثم تعلموا الزراعة واستقروا. *على الجانب الآخر، نشير إلى تلك الواقعة.. حيث أن الشاعر العبري "غرينبيرغ" آمن بتفوق اليهود، وهو ممن دعوا إلى هدم المسجد الأقصى. هل من المصادفة أن يستشهد "شارون" (رئيس الوزراء الصهيوني السابق) بقصائد شاعر يردد "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات"؟ قبل ساعات من لقائه المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط "انطوني زيني"، وقف رئيس الوزراء الصهيوني "آرييل شارون" على خشبة أحد مسارح القدس وسط تصفيق حاد، حيث شكر شارون الحضور، ثم بدأ بإلقاء خطاب حماسي اختتمه بإلقاء قصيدة بعنوان؛ "أغنية العقل العظيم" للشاعر اليهودي القومي المتشدد "يوري زفي غرينبيرغ"، التي تمجد الكيان الصهيوني. وقال إنه جاء للمشاركة في تخليد ذكرى ذلك الشاعر، اليهودي المتطرف (الذي توفي عام 1981). لقد أقر الأكاديميون الصهاينة ل "غرينبيرغ"، الذي ظل يطالب بالسيطرة اليهودية على المناطق الممتدة من النيل إلى الفرات، بالريادة الشعرية في إسرائيل. ويستشهد الباحثون في أعماله بقدراته التعبيرية وبابتكاراته اللغوية. ويعتبرونه أفضل من كتب الشعر الغنائي. كما تضع المناهج التعليمية للطفل العبري وللشباب، الكثير من المفاهيم المغلوطة. ومن أجل توثيق تلك المفاهيم نشرت ولقنت طلابهم بعدد من الكتب، منها سلسلة "الأرض الطيبة"، نشر في كتاب "لمن تخص وتنتمي أرض إسرائيل": (جاءت شعوب أخرى كالإسماعيلية (العرب) واحتلوها لفترة طويلة كانت فيها هذه المنطقة خرابًا ودمارا ودمارًا، وكان العرب قليلين جدًّا..) أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية القدس عاصمة لدولة فلسطين ضمن وثيقة إعلان الاستقلال التي تمت في الجزائر، دون تفعيل حقيقي لهذا الإعلان.. سوى افتتاح مكتب للمنظمة (أغلق عام2001م بأمر من السلطات الإسرائيلية). كما أعلنت إسرائيل القدس عاصمة للدولة الصهيونية في 1949 ونقلت معظم مؤسساتها إلى القدس (الجانب الغربي منها)، لم يعترف بتلك العاصمة دوليا إلا الولايات المتحدة الأمريكية عام1995م. بينما لا يوجد تمثيل رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية بالقدس الآن. فيما أقر الكنيست في31 يوليو 1980قانون "أورشليم القدس عاصمة للدولة الصهيونية"، الذي جعل إعلان القدس، بالحدود التي رسمتها الحكومة الصهيونية عام 1967، ثم تم بجهود عربية إصدار مجلس الأمن بقرارين، رقم 476 ورقم 478 سنة 1980 وجه اللوم إلى الدولة الصهيونية بسبب إقرار هذا القانون وأكد أنه يخالف القانون الدولي، وليس من شأنه أن يمنع استمرار سريان اتفاقية جنيف الرابعة 1949 على الجزء الشرقي من القدس. *تعتبر القدس مدينة مقدسة بالنسبة للديانات الثلاث: الإسلام، المسيحية، اليهودية. بالنسبة للمسلمين فهي تحوي المسجد الأقصى ثالث أقدس مسجد عند المسلمين وأولى القبلتين قبل الصلاة باتجاه الكعبة أيضا من القدس عرج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء حسب المعتقد الإسلامي، أما بالنسبة للمسيحية فهي مكان كنيسة القيامة فهي المدينة التي شهدت صلب المسيح وقيامه بحسب المعتقدات المسيحية، كذلك الأمر أورشليم مدينة مقدسة لليهود منذ القرن الرابع قبل الميلاد، حسب تقديرات بعض المؤرخين، أو من القرن التاسع قبل الميلاد حسب المعتقد اليهودي الشائع، وتقول الشريعة اليهودية بأن أهم صلواتهم يجب أن تكون بالتوجه نحو القدس. لذا يعد تهويد وتهديد القدس العربية، ومحو وجهها الثقافي، بما تتضمنه من معالم عربية وإسلامية، من أخطر القضايا التي تشغل عقل ووجدان المثقف العربي الآن. فالمسجد الأقصى رمزا وقيمة معبرة عن جملة المفاهيم التراثية العربية/الإسلامية، وإن بات مهددا بالهدم، هناك العديد من الظواهر التي تشير إلى التوجه العدواني لمحو السمة الثقافية العربية والإسلامية. وقد تجلى التهديد الصهيوني على "المسجد الأقصى"، ربما من أهمها أن أصبح التهديد تحت مظلة قانونية، بعد أن أصدرت المحكمة (في الدولة الصهيونية) قرارها الجائر بالسماح ببناء حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم، وهو ما استتبع بعد من الإجراءات على الأرض، كالتنقيب والحفر تحت أسوار المسجد. *ويمكن الإشارة إلى "أن الصهيونية واليهودية فكرتان متداخلتان"، وفاعليتان نحو تشويه الوجه الثقافي للقدس. وقد تم توظيف الأدب تحت مظلة تلك الأفكار. فباتت الصهيونية الأدبية هي الوجه الأحدث للصهيونية السياسية بحيث واكبتها من مرة إلى أخرى مطوقة نفسها حسب كل مرحلة. ففي العشرينات كانت النظرة تجاه العرب: "العربي المسلم هو ذلك البدوي المتوحش القاسي الذي يتاجر في العبيد، ومع بداية السبعينات تحول إلى بدوي ثري عربيد نهم للنساء. لتصل الصورة في التسعينات إلى الإرهابي الأصولي المتعصب الذي لا يصلي قبل أن يقدم على قتل الأبرياء وتفجيرهم. فهو شخص همجي أشعت الرأس، يتحدث بلكنة ثقيلة يشتهي أن يملك أموال العالم، يشبه الخنزير في كيفية ابتلاعه للطعام، ويقتل الأطفال بلا رحمة إذا لم يغتصبهم" (ثقوب في الثقافة الأخروية). ترتكن المفاهيم والأفكار الصهيونية على عدد من الركائز التي بدأت بمقولات "هرتزل" ولم تنته، وهي: أن العالم الخارجي اللايهودي هو عالم بطبيعته ضد السامية وسيلجأ هذا العالم أخيراً إما لتدمير اليهود وإما لامتصاصهم! لا مفر لكل اليهود في العالم من مغادرة أوطانهم التي يعيشون فيها "المنفى"!! ويعودون إلى أرض "دولتهم المزعومة" الخاصة والمطلقة لهم. والهدف من العودة إحياء دولة داود وسليمان القديمة، بحدودها المقدسة وبلطيف العبارة فهذه الأرض وطن اليهود! (مشاريع الاستيطان اليهودي). وقد أوضح الكثير من الدارسين للأدب العبري، انعكاس وتأثير تلك المفاهيم والأفكار على الأدب العبري بعد النكبة. وقد ارتكز الأدب العبري على إبراز عدد من المحاور التي هيأت وتهيئ لفعلة الاغتصاب والهيمنة، وحتى نقل مفهوم "القدسية" من إشارتها ورموزها الإسلامية العربية إلى "مقدسات" يهودية برموزها الخاصة: تزكية مفهوم "الأرض المقدسة" اليهودية.. (الشخصية العربية في الأدب العبري) أنتج هذا الفكر العنصري، شخصية صهيونية تتسم بالعدوانية والرغبة في الإفناء التام ليس مجرد تفكير صبياني بل عقيدة. وليس أدل على ذلك من أن الصهاينة يعتبرون مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي من الشهداء والقديسين. *وضح البعد الفكري والثقافي مع تلك النزعة الاستيطانية الشرسة على أرض فلسطين. وقد اتسمت بالعنف والعنصرية، من خلال التعامل مع "القدس" ثقافيا. وهو ما تجلى بوضوح في التعامل مع مدينة "القدس". هذه وقفة حصرية نهض بها "محمد خالد كلاب" (رجع فيها إلى أوراق بحثية إلى كل من "إسحاق البديري" (القدس بين التاريخ والسياسة والثقافة) و(القدس بين التاريخ والسياسة والثقافة) والى "كامل العسلي" (المكتبات في فلسطين). بعد احتلال مدينة القدس عام 1967م كانت مكتبات القدس الخاصة والعامة تضمّ أكثر من 100ألف كتاب وأكثر من نصف مليون وثيقة ومخطوط وسجل، ومنذ ذلك الاحتلال الغاصب لهذه المدينة وهي تتعرض إلى إجراءات هدفها الرئيس تهويد القدس من جهة والقضاء على هذا الإرث من جهة أخرى. وهو ما رصده "إسحاق البديري": مصادرة مكتبة القدس العامة حيث قامت السلطات (الصهيونية) مباشرة بعد الاحتلال بمصادرة هذه المكتبة بكل محتوياتها من الكتب والدوريات ونقلت ملكيتها وإدارتها من بلدية القدس العربية إلى ما يسمى بلدية القدس الموحّدة، كما قامت في الوقت نفسه بمصادرة عدد من الكتب والدوريات الموجودة في المكتبة واعتبرتها ممنوعة ونقلتها إلى مكانٍ مجهول، ثم حددت نوعية الكتب والدوريات المسموح بإدخالها إلى هذه المكتبة، وحظرت سلطات الاحتلال استيراد العديد من الكتب وتوزيعها ومنعت تداولها في أسواق ومكتبات القدس. لم يقتصرْ الحظر على الكتب السياسية والكتب الخاصة بفلسطين والقضية الفلسطينية، بل امتد ليشمل بعض كتب التاريخ والتراجم والأدب وخاصة الشعر. فرضت سلطات الاحتلال رقابة صارمة على طباعة الكتب العربية ونشرها في القدس حيث أصدرت أوامر عسكرية بضرورة مرور أيّ مطبوع على دائرة الرقيب العسكري (الصهيوني) للاطّلاع واتخاذ قرار بشأن السماح بالنشر. مع منع المكتبات في القدس الشرقية (العربية) من اقتناء كلّ ما تقتنيه المكتبات في القدس الغربية وتداوله، على سبيل المثال: كانت الكتب الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز الأبحاث الفلسطيني موجودة في مكتبات الجامعات والمعاهد (الصهيونية) ولكنها منعت في مكتبات القدس العربية.. إغلاق العديد من المؤسسات الثقافية في القدس العربية فقد قامت بإغلاق جمعية الدراسات العربية لمدة أربع سنوات ومصادرة العديد من الكتب والوثائق مما أدّى إلى إلحاق أضرار بالغة في مكتبة الجمعية وأرشيفها، تم إغلاق إتحاد الكتاب وغيره من المؤسسات الثقافية.. فرض الرقابة الصارمة على الصحف والدوريات الصادرة في القدس بدعوى الحفاظ على أمن الدولة حيث ألزمت سلطات الاحتلال جميع الصحف والمجلات بضرورة إرسال كافة موادها إلى الرقيب العسكري. وقد عانت صحف القدس من هذه الإجراءات كثيراً فقد كانت عملية الشطب والحذف تصل أحياناً إلى نصف حجم الصحيفة.. الاستيلاء على وثائق وأوراق ومستندات وسجلات المحكمة الشرعية بالقدس وتحتوي هذه المحكمة على وثائق ومعلومات على جانب كبير من الأهمية لأنها تخصّ حياة المسلمين في القدس منذ علم 1517م.. لم تكن الإجراءات التعسفية متعلقة على المتواجد والمتاح (ثقافيا) بالقدس، بل تبعته العديد من الإجراءات التعسفية لمحو الثقافة العربية، والوجه العربي للقدس. من تلك الإجراءات اتباع سياسة الاعتقال والإبعاد وفرض الإقامة الجبرية ومنع السفر بحق العشرات من الكتّاب والباحثين والأدباء والمثقفين من أبناء القدس وخاصة الذين نشطوا في الدفاع عن عروبة القدس.. إغلاق القدس ومنع الدخول إليها وعزلها عن الضفة الغربية وقطاع غزة مما أدّى إلى حرمان أساتذة الجامعات والباحثين والدارسين والطلبة من الوصول إلى مراكز الأبحاث والمكتبات في المدينة للاستفادة من الكتب والمراجع الموجودة فيها. كما رصد "كامل العسلي" بعض الانتهاكات (الصهيونية) للكتب والمكتبات في مدينة القدس: هناك مكتبات دُمِّرت جزئياً أو كلياً من جراء العمليات العسكرية، ومن تلك المكتبات مكتبة عبد الله مخلص التي خبّأها في "دير القربان" في القدس فدمّرت عندما نسف (الصهاينة) الدير وضاعت تحت الأنقاض. ويُقال إنّ اليهود سرقوها ونهبوها قبل النسف.. ثم منع استيراد الكتب ومنع تداولها في المكتبات ونشرها وقد شمل هذا الإجراء (5410) كتاب منع تداولها منذ عام 1967م وحتى مطلع 1985م وتأتي في مقدّمة هذه الكتب تلك التي تتحدّث عن الإسلام والقضايا العربية والقضية الفلسطينية، وتهدف سلطات الاحتلال من وراء ذلك إلى محاربة الوعي القومي وقطع الصلة بين المواطن العربي الفلسطيني وتراثه وتاريخه.. وإحراق محتويات مخازن شركة التوزيع الأردنية في القدس عام 1983هـ.. وكان بسبب القيود الشديدة المفروضة على النشر فقد تقلّص عدد دور النشر في الضفة الغربية من 23 داراً إلى 4 دور ثلاثة منها في مدينة القدس.. كما منع اليهود ولم يسمحوا بإنشاء مكتبات عامة جديدة في القدس. وقد أفاد مدير مكتبة بلدية نابلس العامة ورئس جمعية المكتبات والمعلومات الفلسطينية: وقد بلغت الكتب التي تم مصادرتها من المواطنين بين عامي (1967-1990م) وتعود ملكيتها إلى مكتبة بلدية نابلس العامة (6500) كتاباً، وقد أرجع "د.ربحي مصطفى عليان" أن أسباب المصادرة ترجع إلى أسباب ثقافية أيدلوجية مثل استخدام كلمة (فلسطين) على الخارطة بدلا من (إسرائيل) أو ورود كلمة "الكيان الصهيوني" في الكتاب أو عبارة في ديوان شعر أو رواية تشير إلى ممارسات الاضطهاد والعنف تجاه الفلسطينيين!! لم يعد حال بقية الآداب والفنون أحسن حالا، يبدو الحال للمتابع أن مدينة القدس (العربية) تكاد تشل من كل الروافد الثقافية.. مثل المسرح والسينما. فقد عرف "مسرح الحكواتي" بها، وعرفت به، أصبح الآن مهددا بالإفلاس.. بينما سبقه هاجر مسرح "القصبة" إلى "رام الله" منذ سنوات! فيما تفتقر المدينة إلى "دار عرض سينمائي" واحدة، بعد أن توقفت الدار الوحيدة منذ عام 1987م!! بالإضافة إلى الافتقار إلى أية مؤسسة تعليمية فنية أو ثقافية، مثل معاهد الفنون المختلفة. *إجمالا لم تكن "القدس" بعيدة عن وجدان المبدع العربي، وهناك العديد من الإبداعات والدراسات التي تحتفي بما يعرف بـ"القدسيات". لقد بقي تاريخ القدس مع المسلمين.. تاريخ كفاح وجهاد منذ أوائل الدعوة الإسلامية حتى الآن.. وستظل. | 
احلى منتدى فلسطين ارض الرباط
الثلاثاء يونيو 02, 2009 8:13 pm
