الدكتور عدنان بكرية في صبيحة يوم ربيعي وتحديدا صبيحة التاسع من نيسان عام 48 استباحت قوات (الايتسيل والهاجاناة ) قرية دير ياسين الوادعة والرابضة في حضن القدس مرتكبة مذبحة جماعية، مخلفة وراءها الشهداء والثكالى والأيتام وبيوتا تحولت إلى ركام ودمار.. وبهذه المجزرة تكون الصهيونية العالمية قد وشمت جبينها بوصمة عار جديدة وبارزة تضاف إلى وصمات العار التي رصعت وما زالت ترصع مسيرتها التاريخية إلى يومنا . لم تكن دير ياسين إلا حلقة واحدة من مسلسل القتل والذبح الذي لم ينته حتى الآن ... ورغم مرور الزمن وتتابع المجازر إلا أن الأحداث الصاخبة لم ولن تمحو من ذاكرة الشعب الفلسطيني بلدة كان اسمها دير ياسين .. كانت تعج بالحياة وتبرق بالأمل .. تنبض بالحب وتنبذ القتل وتحلم بالحياة. دير ياسين لم تتقن فن الذبح والقتل ولا تعرف صناعة الأسلحة والمتفجرات ولا حتى استعمالها فهي عرفت الحب ونبذت الحقد وعافت القتل .. كان همها الحفاظ على وجودها وحقن دماء أبنائها ، لكن إرادة القتل والبطش والإرهاب كانت أقوى من أهوائها .. فكان يا ما كان في قديم الزمان قرية تنعم بالهدوء والاطمئنان اسمها دير ياسين فلم يتبق منها إلا الذكرى والحنين . مائتان وخمسون شهيدا سقطوا في صبيحة يوم ربيعي .. هناك اصطبغ نوار اللوز بدم الشهيد ولم تكن قرية القسطل المجاورة قد شيعت جثمان ابنها شهيد الأمة القائد (عبد القادر الحسيني) بعد والذي ما إن سمع الناس باستشهاده حتى استعادوا القسطل بالعصي والمعاول وقتلوا العشرات من عناصر الهاجاناة .. وفي نفس اليوم ردت عناصر الهاجاناة بارتكاب مذبحة دير ياسين تلك المذبحة التي كتب عنها ( مناحيم بيغن) وقال بأنها كانت من أهم المعارك التي مهدت لاحتلال فلسطين بالكامل " ساعدتنا الأسطورة في دير ياسين على وجه الخصوص في حماية طبريا واحتلال حيفا.. كل القوات اليهودية تقدمت عبر حيفا مثل السكين الذي يقطع الدهن. بدأ العرب بالهرب بفزع وهم يصرخون دير ياسين... وتملك الفزع من العرب في أنحاء البلاد وبدأوا بالهروب للنجاة بحياتهم". ورغم مرور ستين عاما على تلك المجزرة الرهيبة وغياب العالم وحتى القيادة الفلسطينية الجريئة والقادرة على فتح ملف دير ياسين وكفرقاسم وغيرها إلا أن حقها لا يسقط بالتقادم ولا يمحى من ذاكرة الأجيال . لقد تعودنا أن ننعى الشهداء في ذكراهم ونستذكر تاريخ البلدات المهجرة والمهدمة، لكن كلماتنا باتت تضيع في زحام القتل والهدم والتشريد، فالذكريات كثيرة ومتتالية ولو أردنا حصرها جميعا لما اتسعت أيام السنة بالكامل للذكرى ! دير ياسين مثلها مثل باقي البلدات، غير أن مجزرتها فاقت خيال البشر.. بطون بُقرت وأجنة قتلت ودماء أسيلت في صبيحة يوم ربيعي من شهر اللوز.. وما زالت المجزرة تتكرر.. في كفر قاسم وصبرا وشاتيلا وغزة وجنين. أصبح التاريخ مليئا بالمجازر وليس هنا من يكبح شهوة القتل ويضع حدا لاستباحة حياة البشر! ليس هناك من يلجم (غول) القتل والتشريد السائب.. وليس هناك من يتصدى وينتصر للأطفال والنساء والشيوخ... المشهد يتكرر كل يوم والمجزرة تشد إليها مجزرة أخرى ورغم كل ذلك إلا أن إرادة الحياة ستنتصر.. نعم ستنتصر والتاريخ خير برهان ودليل. |