بسم الله الرحمن الرحيم
كعادة قادة الجيوش قبل المعارك العسكرية الكبيرة في تفقد الجند وساحة المعركة وإعطاء التوجيهات الأخيرة قبل المواجهة والإلتحام مع العدو ، خرج الشيخ المحارب أسامة بن لادن بعد سبع سنين طاحنة ليضع اللبنات الأخيرة للمعركة الفاصلة مع أعداء الأمة وعملائهم بعد أن تغيرت الخريطة الجغرافية الجهادية في المنطقة وأصبحت أكثر ملائمة لإنطلاق جحافل المجاهدين عبر طريق السفر الجديد : بغداد - القدس .
لقد بدأ الشيخ أسامة حديثه للأمة عقب أحداث 11 سبتمر بقوله : لقد قسمت هذه الأحداث العالم إلى فسطاطين ، فسطاط كفر لا إيمان فيه وفسطاط إيمان لا نفاق فيه .
وقد أثمرت السنوات العجاف التي تلت العملية المزيد من التمايز بين الصفين ، وأصبحنا لا نتحرج من وصف سماحة الشيخ المفتي الذي تصب فتاواه في مصلحة العدو بأنه الكلب المقصود بقوله تعالى ( واتل عليهم نبأ الذي آتينه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ¤ ولو شئنا لرفعنه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث )
ولا أن نشبه عالم السلطان الحافظ النحرير صاحب المؤلفات بأنه كالحمار يحمل أسفارا !
فلقد أورثتنا هذه الأحداث العظام فرصة ذهبية لفهم القرآن وترجمته على الواقع الذي طالما وقف هؤلاء القراصنة دون فهمنا الصحيح له !
لقد تحرك الشيخ على خطين رئيسيين في خطابه الخاص بالخطوات العملية لتحرير فلسطين ، الأول في إزالة الغبش الذي يحيط بالأمة ويحول دون فهمها الصحيح لما يدور حولها أو دون معرفتها العدو من الصديق أو الخائن من الأمين ، فبالسابق كنا لا نعلم أن السادات خائن وعبدالناصر عميل لأن الأمة كانت مغيبة عن الحقيقة بأبعاد كثيرة عن الوضع الحالي ، أما الآن فأصبح عامة الناس يفهمون الدور الحقيقي المطلوب من كرزاي كابول وأنه لا فرق بينه وبين كرزاي الرياض أو كرزاي ليبيا وغيرهم ، كما أنه لا فرق بين طنطاوي مصر ودوره المفضوح في تشويه الدين وبين طنطاوي اليمن أو طنطاوي المغرب !
أما الخط الثاني فهو التجهيز الفعلي لساحة المعركة المرتقبة وكشف الأوراق السرية للحرب وتسمية الأشياء بمسمياتها دون تعريض أو تلميح هكذا بكل وضوح سنبدأ من العراق ثم نتوجه إلى الأردن ثم الضفة بدون أي غموض أو سرية !
وقد يقول قائل أن الشيخ قد جانب الصواب في كشفه عن خط سير المعركة القادمة وأن ذلك سيفقدنا عنصر المفاجأة أو أنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في أنه كلما أراد غزوة ورى بغيرها ! والحقيقة أن لهذه العوامل قيمة كبيرة في المعارك العسكرية ولكن ما نحن بصدده شيء مختلف تماما عن كل ما ألفناه في السابق ، فالشيخ الآن يحظر لمعركة الأمة المصيرية لتحرير القدس وهي معركة أكبر من أن تخوضها كل التنظيمات الإسلامية الجهادية مجتمعة فيجب أن تدخل الأمة الإسلامية بجانب المجاهدين في ساحة المعركة ولذا يجب أن يبين لها الأمر منذ البداية وبكل وضوح كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة عندما استنفرهم إلى غزوة تبوك ، قال كعب بن مالك : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة ، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا ، واستقبل عددا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم ، فأخبرهم بوجههم الذي يريد . متفق عليه
معادلة الحرب :
يمكن القول أن إستمرار إطلاق الصواريخ من غزة يضمن تسخين الجو العام مع اليهود الذين سيصعدون من المواجهة وبالتالي نحصل على نفس جو أحداث غزة السابقة وهي التي ستعطينا المناخ الثوري المناسب لتحرك الجيوش الزاحفة من الأنبار ، ومن هنا نعرف أهمية دور التنظيمات الجهادية ذات المنهج الصافي في غزة في إشعال فتيل المواجهة ، ومن هنا أيظا نشعر بعظم المسؤولية الملقاة على عاتق هذه الجماعات في توحيد جهودها للحفاظ على جذوة الجهاد مشتعلة ، وبما أن جيش المجاهدين العرمرم لا يعترف بحدود سايس وبيكو فلن يستأذن أحد بالعبور من الجهة المناسبة له ، فقد يفضل الجيش أن يتغدى في الجوف ليدخل من جنوب الأردن ، وقد يفضل العبور عن طريق منطقة البوكمال السورية ليدخل من الأعلى ، وهذه الإحتمالات ستسبب ربكة لدول الطوق ، أما الأنصار والجماهير في الأردن فليس المطلوب منهم سوى القيام بالثورة الداخلية كل في مدينته ، فأهل الزرقاء يتكفلون بالسيطرة على مدينتهم وهم الأدرى بها وأهل تدمر كذلك ، ويكفينا حشد قواتنا بهذا الشكل المخيف ثم سقوط مدينة أو مدينتين لفرار جيش إبن الإنجليزية قبل أن نطلق أي رصاصة !
ولتقريب هذه الصورة من الأذهان يكفينا أن نتذكركيف دخل الصحابة مكة عام الفتح ، فمع أن مكة هي القوة الرئيسية المعادية في المنطقة فلم تكن المعارك بالقرب منها يوما ما ، ويوم أن أذن الله في فتحها لم يحصل إلا قتال بسيط مع خالد بن الوليد على جانب من جوانبها لأن جيش الفتح تحرك بصورة جريئة وبأعداد ضخمة وكتائب مرعبة لا يرى منهم إلا الحدق ! فكان هذا المنظر المهيب كافيا لفتح مكة دون عناء ، وهذا ما نأمل أن يكون عليه جيش الفتح المنطلق من بغداد الخلافة ، فمن ياترى سيجرأ على الوقوف في وجهه !!
فن القفز فوق الواقع :
قمت بدراسة ال500 سنة الأولى من تاريخ معارك المسلمين فوجدت أن الإنتصارات الباهرة لا تأتي إلا إذا تفجرت روح الجهاد بمعانيها الأصيلة السامية التي ترتقي بالنفوس فوق أي واقع أو عائق يحول دون النصر أو الشهادة !
واستخلصت أن هناك جو معين من الإيمان والشخصيات والخطابات إن توفر في زمن فاعلم أنه زمن نصر ورفعة للمسلمين كما كان أيام بن تاشفين وسبكتكين وغيرهم ، وإن فقد هذا الجو فاعلم أنه زمن ذل ومهانة وصغار كما كان الحال أيام ملوك الطوائف في الأندلس قديما وملوك الجزيرة حديثا !
لقد هلك من هلك من هؤلاء الملوك لحرصهم على الملك والمال ، ولقد أكرمنا الله في هذا الزمن برجال منهم من ركل الملايين برجله ليفر بدينه ، ومنهم من ركل الدنيا كلها بما فيها دولته من أجل مسلم واحد رفض تسليمه !!
أنا لا أستغرب من إتهام بعض المحللين أو خبراء الجماعات الإسلامية بأن الشيخ أسامة يحاول القفز فوق الواقع في خطته لتحرير فلسطين ، لا أستغرب لأن هناك بعد روحي عميق بينهم وبين القضية التي يزعمون أنهم خبراء فيها ، فهم بطريقتهم هذه في التفكير أقرب ما يكونون إلى طريقة المستشرقين في فهم نصوص الدين ، أما الغرابة فتكمن في محاولتهم القفز فوق الحقائق التي لا نحتاجهم في فهمها !
لقد قامت إسرائيل ببناء مهبطين للطائرات في شرق الأردن لأنها وبعد دراسة مطولة للوضع الجغرافي والبيئة المحيطة رأت وبوضوح أن الخطر الحقيقي يكمن في قوة خارجية تكتسح دول الطوق التي نجحت في جعلها كلاب حراسة جيدة التدريب ! فقامت ببناء وتشييد هذه المهابط الإستراتيجية للقيام بإنزال سريع لمواجهة الخطر المتوقع !
فهل كانت دولة اليهود تقفز فوق الواقع هي أيظا ؟
طيب : لنعد إلى الوراء قليلا ونقول :
من كان يظن أن الجيش الأحمر الروسي وهو أكبر جيوش العالم في السابق سيهزم على أيدي المجاهدين الأفغان ؟ ومن كان يظن أن أمريكا وهي القوة العظمى الوحيدة في العالم ستعلن إنسحابها رسميا وهزيمتها ضمنيا في العراق بعد أن إجتاحته خلال أسبوعين ؟ ومن كان يظن بعد سقوط الإمارة الإسلامية في أفغانستان أنها ستعود أقوى مما كانت عليه وبعمق جهادي أكبر في وزيرستان وغرب باكستان ؟
والآن من لا يظن أننا على مشارف الفتح الثالث للقدس الشريف ؟
ومن لا يظن أننا سنعلق أبومازن ودحلان على حائط المبكى ؟
ومن لا يظن أننا فعلا نقاتل في العراق وعيوننا على المسجد الأقصى ؟ .