صة لم تكتمل، فالجراح تزداد في روحي كل يوم، وما اكثر ما يرش عليها من أملاح ، وأشدها إيلاماً أملاح الأهل والأصدقاء ..
ما دفعني إلى الكتابة هو شعوري بحجم التزييف والسرقة التي تتعرض له مسيرة ثورة الشعب الفلسطيني هذه الأيام.
جرذان الأمس تعملقت واعتلت الأكتاف، وتسيدت، لم تكتفي بسرقة كنوز الثورة المادية، ولا بالترزق حراما بالعمالة لأعداء الأمة والشعب والثورة، بل لم تتورع عن سلب صفحات مضيئة في تأريخ الثورة ، والولوغ في دماء شهداء الثورة بحثا عن مسكها ، لبيعه في سوق بات الشرف أول ما يباع فيه ..
اعذروني فيما خصصتكم به من مقدمة، فقد بات اخيكم يلازمه شعور بأنه من مطاريد ثورة لم تختلف عن العرف بشئ .. فالثورة تأكل أبنائها مقولة شهدت على انطباقها على الثورة الفلسطينية.
أيها الإخوة والأخوات من شعب المطاريد
أتمنى عليكم طول البال، فالعجوز يخشى وقد مضى قطار العمر وبات يقترب بتؤدة من محطته المحتومة، أن يلحق بمن مضوا، ولم يخلفوا وراءهم ما اكتنزوه في صدورهم من تأريخ حقيقي، الأجيال المتتابعة احوج ماتكون إلى مضامينها بحلوها ومرها .. فالأهم صدقيتها ..
..................................................
التغيير .. سنة الله في خلقه
خلال الثمانينات من القرن المنصرم، اعتادت الأوقاف القَطَرية خلال شهر رمضان الكريم، استضافة كواكب من كبار علماء الأمة ومقرئيها.
لطالما أمتعتنا بصحبة اولائك العلماء الأفاضل ..
أذكر منهم سيدنا الشيخ الجليل محمد الغزالي رحمه الله
وأذكر منهم سيدنا الشيخ العملاق صلاح أبو اسماعيل رحمه الله
كنا نتحلق حولهم حيثما تواجدوا
فقد كنا متابعين لجداول دروسهم بعد صلاة العصر
وقبل صلاة الفجر
فيما كنا نلتزم في صلاة العشاء والتراويح بالجامع الكبير (مسجد الشيوخ)
حيث يؤمنا في الصلوات شيخنا العلامة الكبير يوسف القرضاوي
التراويح تتخللها استراحة قصيرة 15 دقيقة
يلقي خلالها سيدنا الشيخ القرضاوي درسا غالبا ما تمحور حول الآيات التي تتلى في الصلاة خلال ذلك اليوم (جزء كامل) ..
عصر ذات يوم
كان الدرس للداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي ..
كنا أربعة أصدقاء فلسطينيين ..
اتفقنا ذلك اليوم أن يلقي كل منا بسؤال
فقد كان القلق ينهش في أرواحنا
الغموض يلتف بقسوة حول قضيتنا
والتراجع السحيق لموقعها على سلالم أولويات بني يعرب بن قحطان
حِميَر قد تفرقوا سبأ
وعدنان قد فرقتها داحس والغبراء
والغساسنة قد شهروا سيوفهم في وجوه المناذرة
مالعمل؟
صلينا العصر وراء فضيلة العالم الجليل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
تقدروا تقولوا عنه مفتي الديار القطرية ورئيس محاكمها الشرعية
كان في اواخر عمره رحمه الله
بعد الصلاة تحلقنا حول الشيوخ الثلاثة
المقرئ الشيخ الدكتور (أنساني اسمه الشيطان) تلى علينا ما تيسر من الآيات ..
بدأ الشيخ ابن محمود بعجالة أوجز فيها موعظته الطيبة
ثم بدأ الداعية الشيخ الغزالي في التطواف بنا على بحار علمه الغزير
نفحات كنا نتلقفها كالأرض العطشى في صيف شديد الحرارة
الشيخ محمد الغزالي معروف بأنه من كبار المتبحرين في علوم التوراة
حتى أنه كان يتأبط كتابها طوال تدريسه في جامعة أم القرى بمكة المكرمة ..
كان من الطبيعي أن يبدأ بسيدنا موسى عليه السلام وما فعله به يهود من أفاعيل ..
بدأت القصة باستقرار اليهود في سيناء بعد عبورهم البحر وقد أنجاهم الله من بطش فرعون وجنده مغرقا إياهم في اليم ..
لم يعتد اليهود على التنعم بما رزقهم الله من خيرات فبدأوا في التحرش بسيدنا موسى من جديد
لقد شعروا بأن الزمان هو زمانهم
وبعدما خلصهم الله من ذل الاستعباد في مصر .. ومروا بسلسلة من المعجزات الإلهية اجراها المولى تأييدا ونصرة لنبيه موسى وأخيه هارون ..
احسوا بان ربهم سيحقق لهم كل ما يطلبون
من هنا بدأوا في طلب الحرب!!
اسأل "ربك" أن يأمرنا بالقتال
نريد أن نحارب
يجيبهم من علمه ربه وأطلعه على تاريخ اشعوب والأمم: للحرب أهوالها، وأنتم لستم مؤهلين لخوض غمارها، لا تنسوا أن جل خبراتكم تنحصر في خدمة المصريين في حرف يتأففون من امتهانها!!
يزدادون إلحافا: ما عليك سوى الحصول على الإذن بالحرب من ربك وسوف نريك قوتنا وقدراتنا ..
فلما كتب عليهم القتال!!
ذهب يهود إلى موسى برجالهم ونسائهم .. بشيبهم وشبابهم واطفالهم
يحثون التراب على رؤوسهم
(لا ننسى أن شيخنا الغزالي كان خبيرا بعلوم التوراة .. لطالما دَرّسها في جامعة أم القرى فيما أذكر)
أتريدنا أن نحارب العماليق (الكنعانيون في فلسطين)؟
هل جننت؟
إن فيها قوم جبارين
كان آخر ما تخيلوا أن يحاربوا "امريكا"
لا تخشوا منهم فالله لن يتخلى عنكم ..
لا ياعم .. يفتح الله .. دي الروح مش بعزقة (:
قالوا لسيدنا موسى كلاما كبيرا كتبوه في كتبهم من تلمود وغيره..
وقد اوجزه الله عز وجل في كتابه الكريم (القرآن) بنص متأدب جدا:
"اذهب انت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون"
هنا كان لا بد من العقاب، والجزاء الرباني بحجم الجريرة، فقد تمادى اليهود في غيهم، وخالفوا تعليمات الرسول الكريم المرة تلو المرة، واخذوا حقهم في الإنذارات والعقوبات الرادعة .. ولم يَرْعَوُوا
كان القرار الإلهي .. التيه
وضع الله يهود في التيه
أربعون عاما وهم في تيه متواصل ..
لا أظن أن احد منا قد جرب التيه ..
التيه يتلخص في فقدان البوصلة ..
انعدام القدرة على تحديد الاتجاهات
كانوا يبدأون في المسير في الصباح
حتى إذا ادركهم الليل توقفوا ليجدوا انهم قد وصلوا إلى المكان الذي انطلقوا منه صباحا..
سبحان الله
ربهم لم يتخلى عنهم أبدا ..
طعامهم مؤمن من قبل رب كريم..
مَنّ السماء "المَنُّ هو مادة بيضاء شكلها يشبه القطن المندوف كان ينزله الله في الصباح الباكر مع الندى على أوراق الشجر، طعمه حلو لذيذ".
والسلوى ..شبيه بطائر السمان او الفرّي .. عند الغذاء تأتي الطيور متتابعة وتنزل امام اليهود طواعية ليمسكوا بها ويذبحوها!!
(إيه العز ده .. تدلعوا ع الآخر) ..
امتد التيه 40 سنة
ما الذي جرى
الجيل الذي عاصر الرفض قد انقرض عن بكرة أبيه ..
مات سيدنا موسى وسيدنا هارون
وتابع مع يهود تلميذه سيدنا يوشع بن نون..
وللعلم .. لم يترك اليهود بلا نبي أبدا .. من عصر سيدنا موسى إلى عصر سيدنا عيسى ..
مع نهاية فترة العقوبة الإلهية
بدأ اليهود في التغيير
التحول الإيجابي
بدأوا يأخذون بالأسباب
أخذوا في الإعداد للقتال
بقايا من حديد أخذوا في صناعة الحراب منها والسيوف ..
وانطلقوا يمارسون ما يقوي أجسامهم من رياضات بسيطة
تدربوا على فنون القتال ما شاهدوا المصريين يمارسونها ..
هنا قابلهم ربهم بالتغيير
غَيّرَ ما بهم بطريقين
إيجابا .. وسلبا
إيجابا بأن رفع عنهم التيه
وعين عليهم ملكا يقودهم في الحرب
وسلبا بأن أضعف عدوهم ..
العماليق خلال الأربعين سنة وضع الله فيهم السوسة تنخر عظامهم
أمريكا أصابها الغرور..
سوسة الخشب تنخره من داخله .. فيبقى اجوفا أعجفا
سكر وعربدة وغرور قاتل
حتى إذا ما اتاهم اليهود
كان اليهود في أقصى قوة لهم فيما كان العماليق في ادنى حالات ضعفهم
انتقل شيخنا الجليل من قصته الأولى برشاقة منقطعة النظير
إلى قصته التالية من عصر سيد الخلق أجمعين رسول الله محمد بن عبد الله النبي الأمي
أعتذر لكم عن سرد القصة الثانية فقد أنسانيها الشيطان قاتله الله
لكنني أذكر أنها تمحورت حول "التغيير" ..
الخلاصة:
هي سنة الله في خلقه .. قاعدة إلهية أزلية ..
ولا تبديل لسنة الله:
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
استطر الشيخ الغزالي قائلا:
نحن جيل اعتاد أن يحني رأسه مطأطئا للحكام
هذا الخنوع والهوان لا خير فيه، ولا امل يرتجى منه ..
ويقول .. جيلنا لا يملك القدرة على التغيير ..
(هنا شعرت بأننا في ذلك التيه العظيم)
مالعمل!!!!!!!!!!
لا أمل في جيلنا ياشيخ
أتتركنا حيارى تائهين
لقد شخصت الحالة المرضية
فأين الوصفة الطبية
لو كان العلاج في الكي
فلا بأس في الكي ..
لو كان ممكنا بالاستئصال .. فلِنستأصل
لكن لا تتركنا تائهين ..
كنا نجتر الكلمات الحيرى في دخائل أنفسنا ..
أجاب باطمئنان إلى النتيجة : هذا الجيل .. عليه أن يحسن تربية أنجاله ..
يربيهم على مالا يوصلهم إلى ما نحن فيه من خنوع ومذلة واستكانة
لعلهم أو أن يخرج من أصلابهم جيل يملك الإرادة الحقيقية والقدرة على التغيير ..
تعجل جيلنا جني ثمار الصحوة التي قاد مسرتها علماء كبارا ..
صحوة الثمانينيات من القرن العشرين
في طفولتي وصباي .. كنت أرى بيوت الله يؤمها عواجيز الحي .. وقلة نادرة من الرجال .. والنذر اليسير من الشباب ..
خلال الصحوة
عمرت بيوت الله بالشباب ..
حيثما توقفت للصلاة كنت أجد الصفوف مكتظة بالشباب
وبات الكهول زينة في صدر الجامع ..
الحمد لله
القصة لم تنتهي بعد ..
والصحوة تردفها صحوة ..
والأجيال تتوارث تراكمات وخبرات
المهم أن أملك الإرادة للتغيير ..
القدرة يمنحنيها ربي
أبدأ بنفسي
فبيتي
فأهلي .. عشيرتي الأقربين
فأهل الحي
وهكذا دواليك
يد واحدة لا تصفق
لكنها تتلمس في الظلام أطراف انامل توصلها إلى كف متين يقابلها في التصفيق ..
و
ماذا عن أهلنا في أرض الرباط؟
تلك قصة ليست عما تحدثت فيه ببعيدة ..
ولنا لقاء إن أحيانا الله ..
__________________
قصف 41 مسجدا في قطاع غزة
الشهيد العالم الرباني د. نزار ريان
https://www.youtube.com/watch?v=dqtdNjl7k3U
حسبنا الله ونعم الوكيل