الخوف من الله عز و جل
منزلة الخوف و حكمه : من أجلّ منازل العبودية و أنفعها و هي
فرض على كل أحد . قال تعالى ( فلا تخافوهم و خافون إن كنتم
مؤمنين ) و قال عز وجلّ ( و لمن خاف مقام ربه جنتان )
تعريف الخوف : قيل : الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس
- الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام - الخوف هرب القلب من
حلول المكروه عند استشعاره - الخوف غمّ يلحق بالنفس لتوقع
مكروه . قال بن المناوي في كتابه -التوقيف على مهمات
التعاريف -
الخوف توقع مكروه أو فوت محبوب ذكره ابن
الكمال ، و قال الحرالي: حذر النفس من أمور ظاهرة نضرة ، و
قال التفتازاني : غمّ يلحق الإنسان مما يتوقعه من السوء ، و قال
الراغب: توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة كما أن توقع
محبوب كذلك و ضده الأمن و يستعمل في الأمور الدنيوية و
الأخروية ، و عند الصوفية: ارتعاد القلب لما عمل من الذنب ،
وقيل أن يترقب العقوبة و يتجنب عيوبه ، و قيل انزعاج السريرة لما عمل من الجريرة ).
فوائد الخوف: قال أبو حفص عمر بن مسلمة الحداد النيسابوري:
الخوف سراج القلب به يبصر ما فيه من الخير و الشر ، وكل أحد
إذا خفته هربت منه ، إلا الله عز جلّ فإنك إذا خفته هربت إليه . -
قال أبو سليمان : ما فارق الخوف قلباً إلا خرب - قال إبراهيم بن
سفيان : إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها
، و طرد الدنيا عنها . - قال ذو النون : الناس على الطريق ما لم
يَزُل عنهم الخوف ، فإذا زال الخوف ضلّوا الطريق .
أنواع الخوف من حيث الحُكم : 1 - الخوف المحمود الصادق :
هو ما حال بين صاحبه و بين محارم الله عز و جلّ ، فإذا تجاوز
ذلك خيف منه اليأس و القنوط . قال عثمان الحيري : صدق
الخوف هو الورع عن الآثام ظاهراً و باطناً. قال شيخ الإسلام ابن
تيمية: الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله . 2 - الخوف
الواجب: هو ما حمل على فعل الواجبات و ترك المحرمات . 3 -
الخوف المستحب : هو ما حمل على فعل المستحبات و ترك
المكروهات .
الجمع بين الخوف و الرجاء و الحب : لا بد للعبد من الجمع بين
هذه الأركان الثلاثة ، لأن عبادة الله بالخوف وحده طريقة
الخوارج ؛ فهم لا يجمعون إليه الحب و الرجاء ؛ و لهذا لا يجدون
للعبادة لذة و إليها رغبة ، و هذا يورث اليأس و القنوط من رحمة
الله ، و غايته إساءة الظن بالله و الكفر به سبحانه . و عبادة الله
بالرجاء و حده طريقة المرجئة الذين وقعوا في الغرور و الأماني
الباطلة و ترك العمل الصالح ، و غايته الخروج من الملة ، و
عبادة الله بالحب وحده طريقة غلاة الصوفية الذين يقولون : نعبد
الله لا خوفاً من ناره ، و لا طمعاً في جنته ، و إنما حباً لذاته ، و
هذه طريقة فاسدة لها آثار وخيمة منها الأمن من مكر الله ،
وغايته الزندقة و الخروج من الدين . قال بعض السلف كلمة
مشهورة و هي : " من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، و من
عبده بالخوف وحده فهو حروري - أي خارجي - و من عبده
بالرجاء و حده فهو مرجيء ، ومن عبده بالخوف و الحب و
الرجاء فهو مؤمن موحد ." . قال ابن القيم : " القلب في سيره
إلى الله عز و جل بمنزلة الطائر ، فالمحبة رأسه و الخوف و
الرجاء جناحاه ، فمتى سلم الرأس و الجناحان فالطائر جيد
الطيران ، و متى قطع الرأس مات الطائر ، و متى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد و كاسر " .
أيهما يُغلَّب الرجاء و الخوف ؟
قال ابن القيم : " السلف استحبوا أن يقوي في الصحة جناح
الخوف على الرجاء ، وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء
على جناح الخوف ، هذه طريقة أبي سليمان و غيره .
و قال : ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف ، فإذا غلب
الرجاء فسد .
و قال غيره : أكمل الأحوال اعتدال الرجاء و الخوف ، و غلبة
الحب ، فالمحبة هي المركب و الرجاء حادٍ ، و الخوف سائق ، و
الله الموصل بمنّه وكرمه .
أقسام الخوف :
1 - خوف السر : و هو خوف التأله و التعبد و التقرب و هو الذي
يزجر صاحبه عن معصية من يخافه خشيةً من أن يصيبه بما
شاء من فقر ، أوقتل ، أو غضب ، أو سلب نعمة ، و نحو ذلك
بقدرته و مشيئته . فهذا القسم لا يجوز أن يصرف إلا الله عز و
جل و صرفه له يعد من أجلّ العبادات و من أعظم واجبات القلب ،
بل هو ركن من أركان العبادة ، و من خشي الله على هذا الوجه
فهو مخلص موحد ، و من صرفه لغير الله فقد أشرك شركاً أكبر ؛
إذ جعل لله نداً في الخوف ، و ذلك كحال المشركين الذين يعتقدون
في آلهتهم ذلك الاعتقاد ، و لهذا يخوِّفون بها أولياء الرحمن كما
قال قوم هود عليه السلام الذين ذكر الله عنهم أنهم خوفوا هوداً
بآلهتهتم فقالوا ( إن نقول إلا عتراك بعض آلهتنا بسوء ) ، و
كحال عُبّاد القبور ، فإنهم يخافون أصحاب القبور من الصالحين
بل من الطواغيت كما يخافون الله بل أشد ، ولهذا إذا توجهت
على أحدهم اليمين بالله أعطالك ما شئت من الأيمان صادقاً أو
كاذباً ، فإذا كانت اليمين بصاحب التربة لم يقدم على اليمين إن
كان كاذباً ، و ما ذاك إلا لأن المدفون في التراب أخوف عنده من
الله . و كذا إذا أصاب أحداً منهم ظلم لم يطلب كشفه إلا من
المدفونين في التراب ، و إذا أراد أحدهم أن يظلم أحداً فاستعاذ
المظلوم بالله لم يعذه ، و لو استعاذ بصاحب التربة أو بتربته لم
يقدم عليه بشىء و لم يتعرض له بالأذى .
2 - الخوف من وعيد الله : الذي توعد به العصاة و هذا من أعلى
مراتب الإيمان و هو درجات و مقامات و أقسام كما مضى ذكره
قبل قليل .
3 - الخوف المحرم : و هو أن يترك الإنسان ما يجب عليه من
الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بغير عذر إلا لخوف
الناس و كحال من يفر من الزحف خوفاً من لقاء العدو فهذا
خوف محرم و لكنه لا يصل إلى الشرك .
4 - الخوف الطبيعي : كالخوف من سَبُع أو عدو أو هدم أو غرق
و نحو ذلك مما يخشى ضرره الظاهري فهذا لا يُذم و هو الذي
ذكره الله عن موسى عليه السلام في قوله عز وجل ( فخرج منها
خائفاً يترقب ) و قوله ( فأوجس في نفسه خيفةً موسى ) ، و
يدخل في هذا القسم الخوف الذي يسبق لقاء العدو أو يسبق إلقاء
الخطب في بداية الأمر ؛ فهذا خوف طبيعي و يُحمد إذا حمل
صاحبه على أخذ الأهبة و الاستعداد و يُذم إذا رجع به إلى الانهزام
و ترك الإقدام .
5 - الخوف الوهمي : كالخوف الذي ليس له سبب أصلاً أو له
سبب ضعيف جداً فهذا خوف مذموم و يدخل صاحبه في وصف
الجبناء و قد تعوذ النبي صلى الله عليه و سلم من الجبن فهو من
الأخلاق الرذيلة ، و لهذا كان الإيمان التام و التوكل الصحيح
أعظم ما يدفع هذا النوع من الخوف و يملأ القلب شجاعةً ، فكلما
قوي إيمان العبد زال من قلبه الخوف من غير الله ، و كلما ضعف
إيمانه زاد و قوي خوفه من غير الله ، و لهذا فإن خواص
المؤمنين و أقوياءهم تنقلب المخاوف في حقهم أمناً و طمأنينة
لقوة إيمانهم و لسلامة يقينهم و كمال توكلهم ( الذين قال لهم
الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً و قالوا
حسبنا الله و نعم الوكيل . فانقلبوا بنعمةٍ من الله و فضل لم
يمسسهم سوء