لم يترك الأدب العربي شيئًا إلا تناوله، وكان لشهر رمضان حظ من الشعر ما بين ترحيب بمقدمه وتوديع له، ورصد لأحداثه ومظاهر الاحتفاء به واستقبال العيد.
فتذكر كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جمع المصلين لأول مرة في صلاة التراويح خلف إمام واحد في السنة الثانية من خلافته الراشدة، فقال أحد الشعراء: جاء الصيام فجاء الخير أجمعه
فالنفس تدأب في قول وفي عمل
ترتيل ذكر وتحميد وتسبيح
صوم النهار وبالليل التراوي
ومن أحسن ما قيل في التهنئة بقدوم شهر رمضان:
نلت في ذات الصيام ما ترتجيه
أنت في الناس مثل شهرك في الأشـ ووقاك الله له ما تتقيه
هر أو مثل ليلة البــدر فيــه
ولهبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك في التهنئة بقدوم شهر رمضان من قصيدة طويلة:
تَهَنَّ بهذا الصوم يا خير صائر
ومن صام عن كل الفواحش عمره إلى كل ما يهوى ويا خير صائم
فأهون شيءٍ هجره للمطاعم
ويقول عمارة اليمني:
وهنئت من شهر الصيام بزائر
وما العيد إلا أنت فانظر هلاله مناه لو أن الشهر عندك أشهر
فما هو إلا في عدوك خنجر
وللأمير تميم بن المعز لدين الله يهنئ الخليفة العزيز بالله بقدوم شهر رمضان:
ليهنئك أن الصوم فرض مؤكد
وأنك مفروض المحبة مثله من الله مفروض على كل مسلم
علينا بحق قلت لا بالتوهم
وقال أيضًا تميم يمدح الخليفة العزيز:
شهر الصيام أجل شهر مقبل
وكذاك أنت أبر من وطئ الحصى وبه يمحص كل ذنب مثقل
وأجل أبناء النبي المرسل
وتحدث الكثير من الشعراء العرب على مر العصور الإسلامية عن فضائل الشهر الكريم فقال أحدهم:
أدِم الصيام مع القيام تعبدا
قم في الدجى واتل الكتاب ولا تنم
فلربما تأتي المنية بغتة
يا حبذا عينان في غسق الدجى فكلاهما عملان مقبولان
إلا كنومة حائر ولهان
فتساق من فرس إلى أكفان
من خشية الرحمن باكيتان
وللصاحب بن عباد:
قد تعدَّوا على الصيام وقالوا
كذبوا في الصيام للمرء مهما
موقف بالنهار غير مريب حرم العبد فيه حسن العوائد
كان مستيقظًا أتم الفوائد
واجتماع بالليل عند المساجد
وأنشد القاضي أبو الحسن ابن النبيه:
حبذا في الصيام مئذنة الجامع
خلتها والفانوس إذا رفعته والليل مسبل إزباله
ْصائدًا واقفًا لصيد الغزالةْ
ويبدو أن فانوس رمضان والحلوى الخاصة التي تصنع فيه للصائمين كانت موضوعًا للكثير من قصائد شعرائنا.. فيقول علي بن ظافر الأديب المصري المتوفى 613هـ: اقترح بعض الحاضرين في مجلس الأديب أبي الحجاج يوسف بن علي أن ينشدهم شيئًا عن الفانوس -بقصد تعجيزه- فقال
ونجم من الفانوس يشرق ضوؤه
ولم أر نجمًا قط قبل طلوعه ولكنه دون الكواكب لا يسري
إذا غاب ينهى الصائمين عن الفطر
أما حلوى رمضان الخاصة مثل القطائف والكنافة فيقول فيها الشاعر المصري الفاطمي ابن نباتة:
رعا الله نعماك التي من أقلها
أمد له كفي فأهتز فرحة قطائف من قطر النبات لها قطر
كما انتفض العصفور بلله القطر
ولبرهان الدين القيراطي قصيدة كتبها إلى القاضي نور الدين بن حجر والد القاضي شهاب الدين يقول فيها:
مولاي نور الدين ضيفك لم يزل
صدقت قطائفك الكبار حلاوة يروي مكارمك الصحيحة عن عطا
بغمر وليس بمنكر صدق القطا
ونجد وثائق تاريخية شعرية عن رمضان وأحداثه التي منها مقتل الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- على يد عبد الرحمن بن ملجم ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلت من رمضان سنة أربعين للهجرة، والتي يذكرها الطبري فيما قاله أبو الأسود الدؤلي
أفي شهر الصيام فجعتمونا
قتلتم خير من ركب المطايا بخير الناس طرًا أجمعينا
وحنّسها ومن ركب السفينا
والمعروف أن شهر رمضان يدور على فصول السنة كلها مرة كل 33 عامًا، فيأتي في الصيف والشتاء والخريف والربيع، وبالطبع يكون أشد ما يكون في الصيف حين ترتفع درجة الحرارة، ويزيد شعور الصائمين بالظمأ كما يصف ذلك ابن الرومي مبالغًا:
شهر الصيام مبارك
خِفت العذاب فصمته ما لم يكن في شهر آب
فوقعت في نفس العذاب
ويكمل المعنى نفسه شاعر آخر قائلاً:
اليوم فيه كأنه
والليل فيه كأنه من طوله يوم الحساب
ليل التواصل والعتاب
أما وداع رمضان فنجده في هذه القصيدة التي يصف فيها الشاعر كيف سيكون مآل الناس، وهل ستقبل أعمالهم عند رب العزة العظيم؟:
أي شهر قد تولى
حق أن نبكي عليه
كيف لا نبكي لشهر
ثم لا نعلم أنّا
ليت شعري من هو يا عباد الله عنا
بدماء لو عقلنا
مرَّ بالغفلة عنا
قد قُبلنا أم حُرمنا
المحروم والمطرود منا
ويودع الشاعر الأبيوردي رمضان قائلاً:
صوم أغار عليه فطر
بِنْ يا صيام فلم تزل
وله الشهور وإنما
ما كنت أول راحل
كالظعن ليلة فاح في كالنجم بر سناه جمر
فرعًا له الإفطار بحر
لك من جميع الحول شهر
ودعت بالزفرات جمر
خيب التفرق منه عطر
ثم يأتي عيد الفطر وتبدأ التهاني بقدومه كما في قول شاعر الدولة الفاطمية تميم بن المعز:
أهنيك بالعيد الذي أنت عيده ونور سنا إقباله حين يسطع
أما شاعر الدولة العباسية ابن المعز فيقول مهنئًا الخليفة:
لئن أتى العيد من لقياك في فرح
برزت فيه بروز الشمس طالعة لقد مضى الصوم من منآك في ثكل
وقد أعاد الضحاء النفع كالطفل
ولمحمد بن الرومي:
ولما انقضى شهر الصيام بفضله
كحاجب شيخ شاب من طول عمره تحلى هلال العيد من جانب الغرب
يشير لنا بالرمز للأكل والشرب
ولابن قلاقس:
وهلال شوال يقول مصدقًا بيدي غصبت النون من رمضان
ولابن المعتز:
أهلاً بفطر قد أتاك هلاله
فكأنما هو زورق من فضة فالآن فاغد إلى السرور وبكِّر
قد أثقلته حمولة من عنبر
ويهنئ الشاعر العباسي البحتري الخليفة المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد لصيام شهر رمضان ولحلول عيد الفطر:
بالبر صُمتَ وأنت أفضل صائم
فانعم بعيد الفطر عيدًا إنه وبسنة الله الرضية تُفطر
يوم أغر من الزمان مُشهرُ
وفي التهنئة بالعيد ما كتبه ابن سكرة الهاشمي مهنئًا أبا الحسن محمد بن عمر:
أتاك العيد مقتبلاً جديدًا
تهني الناس بالأعياد فينا وجدّك فيه مقتبل جديد
وأنت لنا برغم العيد عيد