المحفوظ الكرطيط
صدر حديثا للزميل محمد العلي كتاب بعنوان "رحلة إلى صومال المحاكم" يروي فيه تجربته موفدا من الجزيرة نت إلى الصومال في صيف عام 2006 لرصد الأوضاع في ذلك البلد. ويتضمن الكتاب الصادر عن الدار العربية للعلوم "ناشرون" ببيروت مشاهدات وانطباعات المؤلف طيلة رحلة إلى الصومال كان خلالها ضمن عدد محدود من الصحفيين الأجانب الذين يتابعون ميدانيا التطورات المتلاحقة في الصومال. ويكتسي الكتاب أهميته في كونه ربما الوحيد الذي يقدم شهادة موثقة ومطبوعة عن فترة من الحياة السياسية والاجتماعية في ذلك البلد خلال حكم المحاكم الإسلامية الذي لم يعمر طويلا بعدما تدخلت قوات إثيوبية لدعم الجيش الصومالي من أجل الإطاحة بها. ورغم عنوانه ذي الصياغة القريبة من أدب الرحلات فإن الكتاب يمثل مساهمة في فهم جزء من التحولات التي شهدها الصومال في ظل المحاكم الإسلامية ولا تزال تفاعلاتها قائمة حتى بعد انهيار تلك التجربة التي دامت عدة أشهر فقط.
وخلال مقامه في الصومال التقى موفد الجزيرة نت عددا من رجال المحاكم وشيوخها ورعاة مدارس دينية وبعض النواب البرلمانيين الذي جاؤوا من بيداوا -مقر الحكومة الانتقالية- إلى العاصمة مقديشو التي كانت بأيدي المحاكم. وهكذا جاء الكتاب متضمنا لمعلومات كثيرة عن ظروف نشأة المحاكم ومرجعياتها والخلفيات السياسية والمعرفية لقياداتها إضافة إلى تراتبية أجهزتها التنظيمية وطرق تدبيرها للشأن العام. إنسان وثقافة وإضافة إلى متابعة الرهانات السياسية والأمنية التي كانت تعتمل في الصومال فإن عين الزميل العلي لم تغفل تفاصيل الحياة اليومية للإنسان الصومالي وعاداته في الملبس والمأكل ودهشة الكثيرين من أطفاله الذين لم يسبق لهم أن شاهدوا طائرة تحط وتقلع. كما لم يفت موفد الحزيرة نت أن يقف أثناء تنقلاته واتصالاته عند دلالات عروبة الصومال لغة وتاريخا من خلال الوضع اللغوي السائد هناك والذي يجمع بين الطرافة والتناقض. ويعزى ذلك الوضع الغريب إلى تقلبات الرئيس الأخير للبلاد محمد سياد بري الذي انتهي حكمه عام 1991. فخلال عقدين فقط ربط بري بلاده بالجامعة العربية وهي خطوة -يقول المؤلف- لا يزال الصوماليون منقسمين بشأنها، كما أنه ألحق نظامه بالاتحاد السوفياتي محاولا الاستفادة من هباته العسكرية وحول لغة بلاده من الحرف العربي إلى اللاتيني.
|