وقال صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» [رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة]، وأخصُّ الأقارب ـ بعد من تلزمه نفقتهم ـ اثنان:
الأول: اليتيم؛ لقوله جلَّ وعلا: {فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ (11) وَمَا أدرَاكَ مَا العَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَو إِطعَامٌ فِى يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقرَبَةٍ (15) أَو مِسكِيناً ذَا مَتْرَبةَ} [سورة البلد:11-16]. والمسبغة: الجوع والشِّدة.
الثاني: القريب الذي يضمر العداوة ويخفيها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع].
السابعة: الصَّدقة على الجار؛ فقد أوصى به الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ} [سورة النساء: 36] وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بقوله: «وإذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، واغرف لجيرانك منها» [رواه مسلم].
الثامنة: الصدقة على الصاحب والصديق في سبيل الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدنانير: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله عز وجل» [رواه مسلم].
التاسعة: النفقة في الجهاد في سبيل الله سواء كان جهادا للكفار أو المنافقين، فإنّه من أعظم ما بُذلت فيه الأموال؛ فإن الله أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات ومن ذلك قوله سبحانه: {انفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْبِأَموَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة التوبة:41]، وقال سبحانه مبيناً صفات المؤمنين الكُمَّل الذين وصفهم بالصدق {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سورة الحجرات: 15]، وأثنى سبحانه وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم بذلك في قوله: {لَكِنَ الرَّسُولُ وَالذَّينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الخَيرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوزُ العَظِيمُ} [سورة التوبة: 89،88]، ويقول عليه الصلاة والسلام: «أفضل الصدقات ظلُّ فسطاطٍ في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله» [رواه أحمد والترمذي، صحيح الجامع]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا» [في الصحيحين]، ولكن ليُعلم أنّ أفضل الصدقة في الجهاد في سبيل الله ما كان في وقت الحاجة والقلة في المسلمين كما هو في وقتنا هذا، أمَّا ما كان في وقت كفاية وانتصار للمسلمين فلا شك أن في ذلك خيرا ولكن لا يعدل الأجر في الحالة الأولى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [سورة الحديد: 11،10]. "إنّ الذي ينفق ويقاتل والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا سلطان، ولا رخاء غير الذي ينفق، ويقاتل، والعقيدة آمنة، والأنصار كثرةٌ والنصر والغلبة والفوز قريبة المنازل، ذلك متعلق مباشرةً لله متجردٌ تجردا كاملا لا شبهة فيه، عميق الثقة والطمأنينة بالله وحده، بعيدٌ عن كل سبب ظاهر، وكل واقع قريب لا يجد على الخير أعوانا إلاّ ما يستمده مباشرةً من عقيدته، وهذا له على الخير أنصارٌ حتى حين تصح نيته ويتجرد تجرد الأوليين". [في ظلال القرآن].
العاشرة: الصدقة الجارية: وهي ما يبقى بعد موت العبد، ويستمر أجره عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
وإليك بعضا من مجالات الصدقة الجارية التي جاء النص بها:
مجالات الصدقة الجارية
1- سقي الماء وحفر الآبار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة سقي الماء» [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة:صحيح الجامع].
2- إطعام الطعام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [في الصحيحين].
3- بناء المساجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتا في الجنة» [في الصحيحين]، وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة» [صحيح الترغيب].
4- الإنفاق على نشر العلم، وتوزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم والأرملة ونحوهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته» [رواه ابن ماجة:صحيح الترغيب].
ولتعلم أخي أنّ الإنفاق في بعض الأوقات أفضل منه في غيرها كالإنفاق في رمضان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان بلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة". [في الصحيحين]، وكذلك الصدقة في أيّام العشر من ذي الحجة، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيّام العشر. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك شيء» [رواه البخاري]، وقد علمت أنّ الصدقة من أفضل الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله.
ومن الأوقات الفاضلة يوم أن يكون النّاس في شدة وحاجة ماسة وفقر بيّن كما في قوله سبحانه: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [سورة البلد: 11-14].
فمن نعمة الله عز وجل على العبد أن يكون ذا مال وجدة، ومن تمام نعمته عليه فيه أن يكون عونا له على طاعة الله «فنعم المال الصالح للمرء الصالح» [رواه البخاري].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.